الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الزمخشري: .[سورة السجدة: الآيات 15- 17]. {إنَّما يُؤْمنُ بآياتنَا الَّذينَ إذا ذُكّرُوا بها خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}.{إذا ذُكّرُوا بها} أي وعظوا: سجدوا تواضعا للّه وخشوعا، وشكرا على ما رزقهم من الإسلام {وَسَبَّحُوا بحَمْد رَبّهمْ} ونزهوا اللّه من نسبة القبائح إليه، وأثنوا عليه حامدين له {وَهُمْ لا يَسْتَكْبرُونَ} كما يفعل من يصر مستكبرا كأن لم يسمعها، ومثله قوله تعالى: {إنَّ الَّذينَ أُوتُوا الْعلْمَ منْ قَبْله إذا يُتْلى عَلَيْهمْ يَخرُّونَ للْأَذْقان سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبّنا} {تَتَجافى} ترتفع وتتنحى عَن الْمَضاجع عن الفرش ومواضع النوم، داعين ربهم عابدين له، لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته، وهم المتهجدون. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في تفسيرها «قيام العبد من الليل» وعن الحسن رضى اللّه عنه: أنه التهجد. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا جمع اللّه الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادى بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم. ثم يرجع فينادى: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، فيقومون وهم قليل. ثم يرجع فينادى: ليقم الذين كانوا يحمدون اللّه في البأساء والضراء، فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعا إلى الجنة. ثم يحاسب سائر الناس». وعن أنس بن مالك رضى اللّه عنه: كان أناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة، فنزلت فيهم. وقيل: هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها {ما أُخْفيَ لَهُمْ} على البناء للمفعول. ما أخفى لهم على البناء للفاعل، وهو اللّه سبحانه. وما أخفى لهم. وما نخفى لهم. وما أخفيت لهم: الثلاثة للمتكلم، وهو اللّه سبحانه. وما: بمعنى الذي، أو بمعنى أى. وقرئ: {من قرّة أعين} و{قرات أعين} والمعنى: لا تعلم النفوس- كلهنّ ولا نفس واحدة منهنّ لا ملك مقرب ولا نبىّ مرسل- أي نوع عظيم من الثواب ادخر اللّه لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال جَزاءً بما كانُوا يَعْمَلُونَ فحسم أطماع المتمنين: وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «يقول اللّه تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتهم عليه، اقرؤا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين}» وعن الحسن رضى اللّه عنه: أخفى القوم أعمالا في الدنيا، فأخفى اللّه لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت..[سورة السجدة: الآيات 18- 21]. {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمنًا كَمَنْ كانَ فاسقًا لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا منْها أُعيدُوا فيها وَقيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّار الَّذي كُنْتُمْ به تُكَذّبُونَ (20) وَلَنُذيقَنَّهُمْ منَ الْعَذاب الْأَدْنى دُونَ الْعَذاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ (21)}.{كانَ مُؤْمنًا} و{كانَ فاسقًا} محمولان على لفظ من، ولا يَسْتَوُونَ محمول على المعنى، بدليل قوله تعالى: {أَمَّا الَّذينَ آمَنُوا} {وَأَمَّا الَّذينَ فَسَقُوا} ونحوه قوله تعالى: {وَمنْهُمْ مَنْ يَسْتَمعُ إلَيْكَ حَتَّى إذا خَرَجُوا منْ عنْدكَ} و{جَنَّاتُ الْمَأْوى} نوع من الجنان: قال اللّه تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عنْدَ سدْرَة الْمُنْتَهى عنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى} سميت بذلك لما روى عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال: تأوى إليها أرواح الشهداء. وقيل: هي عن يمين العرش. وقرئ: {جنة المأوى} على التوحيد نُزُلًا عطاء بأعمالهم. والنزل: عطاء النازل، ثم صار عاما {فَمَأْواهُمُ النَّارُ} أي ملجؤهم ومنزلهم. ويجوز أن يراد: فجنة مأواهم النار، أي النار لهم، مكان جنة المأوى للمؤمنين:كقوله: {فَبَشّرْهُمْ بعَذابٍ أَليمٍ} الْعَذاب الْأَدْنى عذاب الدنيا من القتل والأسر، وما محنوا به من السنة سبع سنين. وعن مجاهد رضى اللّه عنه: عذاب القبر. والْعَذاب الْأَكْبَر عذاب الآخرة، أي: نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة {لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ} أي يتوبون عن الكفر، أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه، كقوله تعالى: {فَارْجعْنا نَعْمَلْ صالحًا} وسميت إرادة الرجوع رجوعا، كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى إذا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاة ويدل عليه قراءة من قرأ: يرجعون، على البناء للمفعول. فإن قلت:من أين صح تفسير الرجوع بالتوبة؟ ولعل من اللّه إرادة، وإذا أراد اللّه شيئا كان ولم يمتنع، وتوبتهم مما لا يكون، ألا ترى أنها لو كانت مما يكون لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر؟ قلت:إرادة اللّه تتعلق بأفعاله وأفعال عباده، فإذا أراد شيئا من أفعاله كان ولم يمتنع، للاقتدار وخلوص الداعي. وأما أفعال عباده: فإما أن يريدها وهم مختارون لها، أو مضطرون إليها بقسره وإلجائه، فإن أرادها وقد قسرهم عليها فحكمها حكم أفعاله، وإن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنهم لا يختارونها لم يقدح ذلك في اقتداره، كما لا يقدح في اقتدارك إرادتك أن يختار عبدك طاعتك وهو لا يختارها، لأنّ اختياره لا يتعلق بقدرتك، وإذا لم يتعلق بقدرتك لم يكن فقده دالا على عجزك. وروى في نزولها: أنه شجر بين على بن أبى طالب رضى اللّه عنه والوليد بن عقبة بن أبى معيط يوم بدر كلام، فقال له الوليد: اسكت فإنك صبىّ: أنا أشبّ منك شبابا، وأجلد منك جلدا، وأذرب منك لسانا، وأحدّ منك سنانا، وأشجع منك جنانا، وأملأ منك حشوا في الكتيبة. فقال له على رضى اللّه عنه: اسكت، فإنك فاسق، فنزلت عامّة للمؤمنين والفاسقين، فتناولتهما وكل من كان في مثل حالهما.وعن الحسن بن على رضي اللّه عنهما: أنه قال للوليد: كيف تشتم عليا وقد سماه اللّه مؤمنا في عشر آيات، وسماك فاسقا؟.[سورة السجدة: آية 22]. {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّنْ ذُكّرَ بآيات رَبّه ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إنَّا منَ الْمُجْرمينَ مُنْتَقمُونَ (22)}.ثم في قوله: {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها} للاستبعاد. والمعنى: أنّ الإعراض عن مثل آيات اللّه في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل، كما تقول لصاحبك: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعادا لتركه الانتهاز. ومنه ثم في بيت الحماسة:استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدّتها. فإن قلت: هلا قيل:إنا منه منتقمون؟ قلت: لما جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم، فقد دلّ على إصابة الأظلم النصيب الأوفر من الانتقام، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة. .[سورة السجدة: الآيات 23- 25]. {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكتابَ فَلا تَكُنْ في مرْيَةٍ منْ لقائه وَجَعَلْناهُ هُدىً لبَني إسْرائيلَ (23) وَجَعَلْنا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بآياتنا يُوقنُونَ (24) إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقيامَة فيما كانُوا فيه يَخْتَلفُونَ (25)}.الْكتابَ للجنس والضمير في لقائه له. ومعناه: إنا آتينا موسى عليه السلام مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ولقيت نظيره كقوله تعالى: {فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ ممَّا أَنْزَلْنا إلَيْكَ فَسْئَل الَّذينَ يَقْرَؤُنَ الْكتابَ منْ قَبْلكَ} ونحو قوله: {منْ لقائه} قوله: {وَإنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ منْ لَدُنْ حَكيمٍ عَليمٍ} وقوله: {وَنُخْرجُ لَهُ يَوْمَ الْقيامَة كتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا}. وجعلنا الكتاب المنزل على موسى عليه السلام هُدىً لقومه {وَجَعَلْنا منْهُمْ أَئمَّةً يَهْدُونَ} الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين اللّه وشرائعه، لصبرهم وإيقانهم بالآيات. وكذلك لنجعلنّ الكتاب المنزل إليك هدى ونورا، ولنجعلنّ من أمّتك أثمة يهدون مثل تلك الهداية لما صبروا عليه من نصرة الدين وثبتوا عليه من اليقين.وقيل: من لقائك موسى عليه السلام ليلة الإسراء أو يوم القيامة وقيل: من لقاء موسى عليه السلام الكتاب، أي: من تلقيه له بالرضا والقبول. وقرئ: {لما صبروا} و{لما صبروا} أي لصبرهم. وعن الحسن رضى اللّه عنه: صبروا عن الدنيا. وقيل: إنما جعل اللّه التوراة هدى لبنى إسرائيل خاصة، ولم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل عليه السلام {يَفْصلُ بَيْنَهُمْ} يقضى، فيميز المحق في دينه من المبطل..[سورة السجدة: آية 26]. {أَوَ لَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا منْ قَبْلهمْ منَ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَساكنهمْ إنَّ في ذلكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26)}.الواو في {أَوَ لَمْ يَهْد} للعطف على معطوف عليه منوي من جنس المعطوف، والضمير في {لَهُمْ} لأهل مكة. وقرئ بالنون والياء، والفاعل ما دلّ عليه {كَمْ أَهْلَكْنا} لأنّ كم لا تقع فاعلة، لا يقال: جاءني كم رجل، تقديره: أو لم يهد لهم كثرة إهلاكنا القرون. أو هذا الكلام كما هو بمضمونه ومعناه، كقولك: يعصم لا إله إلا اللّه الدماء والأموال. ويجوز أن يكون فيه ضمير اللّه بدلالة القراءة بالنون. والْقُرُون عاد وثمود وقوم لوط {يَمْشُونَ في مَساكنهمْ} يعنى أهل مكة، يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم. وقرئ: {يمشون} بالتشديد..[سورة السجدة: آية 27]. {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إلَى الْأَرْض الْجُرُز فَنُخْرجُ به زَرْعًا تَأْكُلُ منْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصرُونَ (27)}.الْجُرُز الأرض التي جرز نباتها أي قطع، إمّا لعدم الماء، وإمّا لأنه رعى وأزيل، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ: جرز. ويدل عليه قوله: {فَنُخْرجُ به زَرْعًا} وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: إنها أرض اليمن. وعن مجاهد رضى اللّه عنه: هي أبين.{به} بالماء {تَأْكُلُ} من الزرع {أَنْعامُهُمْ} من عصفه {وَأَنْفُسُهُمْ} من حبه. وقرئ: {يأكل} بالياء..[سورة السجدة: الآيات 28- 30]. {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صادقينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْح لا يَنْفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرضْ عَنْهُمْ وَانْتَظرْ إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ (30)}.الفتح: النصر، أو الفصل بالحكومة، من قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا} وكان المسلمون يقولون إنّ اللّه سيفتح لنا على المشركين. ويفتح بيننا وبينهم، فإذا سمع المشركون قالوا {مَتى هذَا الْفَتْحُ} أي في أي وقت يكون إنْ كُنْتُمْ صادقينَ في أنه كائن. و{يَوْمَ الْفَتْح} يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم، ويوم نصرهم عليهم. وقيل: هو يوم بدر. وعن مجاهد والحسن رضى اللّه عنهما: يوم فتح مكة. فإن قلت: قد سألوا عن وقت الفتح، فكيف ينطبق هذا الكلام جوابا على سؤالهم. قلت: كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح، استعجالا منهم عن وجه التكذيب والاستهزاء، فأجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا، فكأنى بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم، وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا. فإن قلت: فمن فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر كيف يستقيم على تفسيره أن لا ينفعهم الإيمان، وقد نفع الطلقاء يوم فتح مكة وناسا يوم بدر. قلت: المراد أنّ المقتولين منهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند إدراك الغرق وَانْتَظرْ النصرة عليهم وهلاكهم إنَّهُمْ مُنْتَظرُونَ الغلبة عليكم وهلاككم، كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا إنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبّصُونَ} وقرأ ابن السميقع رحمه اللّه: {منتظرون} بفتح الظاء. ومعناه: وانتظر هلاكهم فإنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم، يعنى أنهم هالكون لا محالة. أو وانتظر ذلك، فإن الملائكة في السماء ينتظرونه.عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك، أعطى من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر» وقال: «من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام». اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {إنَّما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذُكّروا بها} أي: وُعظوا بها {خَرُّوا سُجَّدًا} أي: سقطوا على وجوههم ساجدين.وقيل: المعنى: إنَّما يؤمن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إذا ذُكّروا بها بالأذان والإقامة خَرُّوا سُجَّدًا.قوله تعالى: {تتجافى جنوبُهم} اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال:أحدها: أنها نزلت في المتهجّدين بالليل؛ روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {تتجافى جنوبُهم} قال: «قيام العبد من الليل» وفي لفظ آخر أنه قال لمعاذ: «إن شئتَ أنبأتُك بأبواب الخير» قال: قلت أجَلْ يا رسول الله، قال: «الصَّوم جُنَّة، والصدقة تكفّر الخطيئة، وقيام الرَّجل في جوف الليل يبتغي وجه الله» ثم قرأ: {تتجافى جنوبُهم عن المضاجع}.وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في قيام الليل.وقد روى العوفي عن ابن عباس قال: تتجافى جنوبهم لذكْر الله، كلَّما استيقظوا ذَكَروا الله، إما في الصلاة، وإمَّا في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكُرون الله عز وجل.والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلُّون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك.والثالث: أنها نزلت في صلاة العشاء كأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلُّوها، قاله ابن عباس.والرابع: أنها صلاة العشاء والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك.ومعنى {تَتَجافى} ترتفع والمَضَاجع جمع مَضْجَع، وهو الموضع الذي يُضْطَجَع عليه.{يَدْعُونَ ربَّهم خَوْفًا} من عذابه {وطمعًا} في رحمته وثوابه {وممَّا رَزَقْناهم يُنْفقونَ} في الواجب والتطوُّع.{فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفيَ لهم} وأسكن ياء {أُخْفي} حمزة، ويعقوب.قال الزجاج: في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يسترُّ الإنسان به، فجعل لفظ ما يُجازى به {أُخفي لهم}، فإذا فتحتَ ياء {أُخْفيَ} فعلى تأويل الفعل الماضي، وإذا أسكنْتَها، فالمعنى: ما أُخْفي أنا لهم، إخبار عن الله تعالى؛ وكذلك قال الحسن البصري: أخفي لهم، بالخُفْية خُفْية، وبالعلانية علانية.وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم: {فلا تَعْلَمُ نَفْس ما أُخْفيَ لهم}».
|